القائمة الرئيسية

الصفحات


     كانت سلطنة المماليك الجركسية في مصر و بلاد الشام المسيطر الرئيسي و المستفيد الأكبر من الطريق التجاري الرابط بين الشرق و الغرب ، غير انه بعد اكتشاف ممر راس الرجاء طوقت البرتغال العالم الإسلامي بمستعمراتها المكتشفة بتشجيع من البابوية في روما ، و بالتالي منع المسلمين من احتكار التجارة الهندية.
   استطاع المغامر الأوروبي فاسكو دي غاما بعد رحلتين استكشافيتين بحريتين دامت الأولى 10 اشهر و الثانية ثلاث سنين من الالتفاف حول القارة الافريقية عبر الطريق الجديد الذي عرف حينئذ براس الرجاء الصالح او راس العواصف بناءا على رغبة الملك البرتغالي آنذاك. 
       مكن الطريق المكتشف البعثات البحرية البرتغالية من الابحار نحو جنوب شبه الجزيرة الهندية دون الحاجة للمرور عبر طريق البحر الأحمر - بحر العرب الذي يخضع للإجراءات الجمركية المملوكية ، و كذلك انشاء قواعد تجارية للإمبراطورية البرتغالية الاستعمارية على طول ساحل ملبار الهندي و الوصول لمدينة التوابل الهندية ( مدينة كاليكوت في ولاية كيرالا بالهند حاليا ) . 
     ديو مكان وقوع هذه المعركة اسم لجزيرة موجودة في مقاطعة كجرات الهندية الحالية ، اذ تقع عند اطراف هذه الجزيرة القريبة من الساحل مدينة حصينة تعتبر مركزا من مراكز الاستعمار البرتغالي في جنوب شبه القارة الهندية ، و قد شهدت هذه البلدة وقوع صدام بحري بين اقوى قوتيين آنذاك و هما سلطنة الجراكسة في مصر و التي هي اقوى دول العالم الإسلامي آنذاك و الإمبراطورية البرتغالية القوة الاستعمارية الأوروبية الصاعدة ، و تعرف هذه الوقعة كذلك بمعركة شاول الثانية و قد وقعت عام 915ه الموافق لسنة 1509م و دعم كل من العثمانيين و سلطنة كجرات الإسلامية و البنادقة الاسطول المملوكي في هذه الموقعة البحرية ؛ و لعل السبب وراء وقوع معركة ديو هو العامل السياسي المتمثل في رغبة الأوروبيين عموما و البرتغاليين خاصة في اضعاف المسلمين انتقاما من هزائم الحملات الصليبية على المشرق الإسلامي خلال القرنيين الثاني عشر و الثالث عشر الميلاديين اذ يقول القائد البرتغالي الشهير ( البوكيرك ) بعد وصوله ملقا : ( ان ابعاد الحرب عن تجارة الأفاوية هي الوسيلة التي يرجوا بها البرتغاليين اضعاف قوة الإسلام ) ، و اخر اقتصادي يهدف للسيطرة على مسارات الطرق التجارية العالمية و احتكار تجارتها ، و كذا ضم مستعمرات في الشرق الأقصى الغني بالثروات و الموارد الطبيعية و المنتوجات التجارية المتنوعة مثل التوابل التي اشتهر بتصديره لها ، مع فرض حصار اقتصادي على مصر المملوكية و الاضرار بتجارتها الدولية ؛ فبعد اكتشاف راس الرجاء الصالح انخفضت مداخيل التجارة المملوكية للتوابل و تلقت مرافئ مصر و الحجاز و الساحل الشامي خسائر عديدة ، يصف ابن اياس ذلك بقوله : ( فإن بندر الإسكندرية خرب، و لم تدخل اليه القطائع في السنة التالية ، و بندر جدة خرب ( ... ) و كذلك جهة دمياط كان المماليك يحصلون مكوسا باهظة على البضائع ، و كان الجنويون و البنادقة ينقلون هذه التجارة الى أوروبا ، و يحصلون مكوسا عليها أيضا ). فمنذ اكتشافهم لراس الرجاء الصالح عام 903ه اخذ البرتغاليون يهددون مصالح المسلمين التجارية و الاقتصادية في الهند و اتجهوا بعد ذلك لغزو سواحل البحر الأحمر و خليج عدن و الخليج الفارسي للسيطرة عليهم و أغاروا على سفن نقل الحجاج عبر البحر الأحمر، فاضحى حاكم المسلمين غير قادر على حماية أرواح المسلمين و ممتلكاتهم و حماية المدن المقدسة و تامين سلامة الحجاج ، فقد وقع عدد من الحجاج اسرى لدى البرتغال ، فانقطع الحجاج الشاميون عن الحرم المكي سبع سنوات من 1506م الى 1512م الموافق ل 911ه الى 918ه ، و بذلك تحول الهدف من منافسة تجار الشرق الأوسط على السوق الهندية الى احتلال السواحل الإسلامية في كل من البحر الأحمر و خليج عدن و الخليج الفارسي . 
      وهكذا فإن المماليك البرجية لما شعروا بمسؤوليتهم تجاه الدفاع عن العالم الإسلامي ضد الخطر البرتغالي عملوا على مقاومته ، اذ ارسل السلطان قانصوه الغوري قبل ذلك حملة عسكرية من 13 سفينة حربية عليها 1500 مقاتل تحت قيادة حسين الكردي الذي ابحر نحو جزيرة ديو ثم شاول و انتصر على البحرية البرتغالية و قائدها الونز دي الميدا في معركة شاول الأولى عام 1508ه. 
     كما وجد شاه فارس إسماعيل الصفوي نفسه مجبرا على التحالف مع البرتغاليين عقب هزيمته الساحق امام الجيش العثماني في صحراء تشالديران عام 1514م ، و قد عقد هذا الحلف البرتغالي الصفوي بعد استيلاء القائد البوكيرك البرتغالي على قلعة هرمز ، و اتفق الطرفان على ان يساعد البرتغاليون الشاه إسماعيل على اخماد ثورات بلوشستان و مكران و احتلال القطيف و البحرين ، غير ان وفاة البوكيرك حالت دون ذلك ، و كما قام قبل ذلك الصفوي بتموين السفن البحرية و الأساطيل البرتغالية المبحرة نحو المستعمرات البرتغالية بالهند و الشرق الأقصى ، و ردا على الدعم الصفوي للبرتغال قام السلطان العثماني سليم القاطع بإمداد الجراكسة بما يحتاجه اسطولهم البحري من المدافع لمقاومة الخطر الاستعماري البرتغالي. 
     طلب كل من الظافر عامر امام اليمن و سلطان كجرات الهندية محمود شاه المدد من سلطان مصر قانصوه الغوري لمواجهة البرتغاليين ، و قصد وضع حد للخطر البرتغالي وجه قانصوه من مرفأ قناة السويس المصرية عام 1505ه اسطول بحري مجهز بالأسلحة البارودية و قاذفات النفط المشتعل تحت قيادة الرياس البحري الأمير حسين الكردي نائب جدة الذي حصن ميناء جدة ثم توجه ناحية ميناء سواكن في القرن الافريقي و استولى عليه بغير قتال و واصل السير نحو الهند و انضمت لقواته سفن حاكم كاليكوات. 
      و رغم بعد السلطنة العثمانية عن ساحة المواجهة لبى السلطان العثماني بايزيد الثاني طلب سلطان مصر المملوكي قانصوه الغوري للمساعدة ضد الحملات البرتغالية ، و ارسل السلطان العثماني في شوال 1511م سفنا محملة بالمدافع و المكاحل و الأسهم و 40 قنطارا من البارود و كل المستلزمات التي يحتاجها الاسطول المملوكي ، غير ان هذه المساعدات الحربية العثمانية تعرضت لقرصنة فرسان القديس يوحنا عند مرفأ الإسكندرية. 
     تعرضت الحملة البحرية المملوكية التي يقودها حسين الكردي في بحر الهند للهزيمة عند جزيرة ديو بعدما هاجمتها السفن البرتغالية بشكل مباغت بقيادة القائد البرتغالي فرانسوا دالميدا حاكم قلعة ديو البرتغالية انتقاما من هزيمة ديو الأولى ( معركة شول 913ه ) ، فاصبح واضحا ان المماليك اصبحوا غير قادرين على تقديم المساعدة في حماية الطرق البحرية عبر البحر الأحمر و المحيط الهندي بل و حتى عدم القدرة على مساعدة الامارات الإسلامية الهندية مثل سلطنة كجرات ضحايا الهجمات البرتغالية رغم استعانة المماليك بقوات الحكام المسلمين في الهند في صد الحملات البرتغالية . 
    وهكذا لم تستطع سلطنة المماليك إيجاد حل للمشكلة البرتغالية ؛ اذ تم للبرتغاليين ما أرادوا من تطويق للعالم الإسلامي و الوصول للسواحل الهندية و من ثم احتكار تجارة التوابل و منتجات الشرق الأقصى و انشاء طريق تجاري جديد تحتكره القوى الاستعمارية الأوروبية ، ثم انهارت جهود الجراكسة بسقوط دولتهم. 

 المصادر و المراجع 

بدائع الزهور في وقائع الدهور لمحمد ابن اياس ، تحقيق محمد مصطفى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984م.
درر العقود الفريدة في تراجم الاعيان الفريدة لتقي الدين المقريزي ، تحقيق محمد عثمان ، دار الكتب العلمية بيروت.
غاية الاماني في اخبار القطر اليماني ليحيى بن الحسين بن القاسم ، تحقيق سعيد عاشور 1968م.
اثر تحول التجارة العالمية الى راس الرجاء الصالح على مصر و عالم البحر المتوسط اثناء القرن السادس عشر لأباظة فاروق ،دار المعارف. 
الفتح العثماني للشام و مصر لمتولي احمد فؤاد. 
الفكر الجغرافي و الكشوف الجغرافية ليسري الجوهري، الإسكندرية. 
البحر الأحمر و المحاولات البرتغالية الأولى للسيطرة عليه لعبد العال محمد . 
مصر في عهد دولة سلاطين المماليك لسعيد عاشور. 
الصراع بين الدولة العثمانية و حكومة البرتغال في المحيط الهندي و شرق افريقيا و البحر الأحمر لبصيلي الشاطر ، المجلة المصرية للدرات التاريخية. 
اسيا و السيطرة الغربية لبانيكار ، تعريب عبد العزيز جاويد. قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين للدكتور زكرياء سليمان بيومي ، عالم المعرفة 1991م.

تعليقات