القائمة الرئيسية

الصفحات

فشل الإصلاحات الصينية مطلع القرن 20م


 

 

فشل الإصلاحات الصينية مطلع القرن 20م

برنامج 100 يوم للإصلاحات

في سياق تعاظم النفوذ الأجنبي وتحول الصين خلال نهاية القرن التاسع عشر إلى شبه مستعمرة، بتقسيمها إلى مناطق نفوذ بين القوى الكبرى، انتشرت أفكار إصلاحية وسط الطبقة البورجوازية الفتية والأرستقراطية أرسى دعائمها المفكر السياسي كانغ يووي في الذي بعث رسالة مطولة موقعة من طرف 1300 صيني، يلتمسون من جلالته إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية وقد تمكن هذا المفكر من إقناع الإمبراطور كوانغ شو بأهمية تصوراته ومقترحاته، ليتم تعيينه وزيرا أول وأحاط نفسه بالمتشبعين بأفكاره كمستشارين، فاستطاعوا وضع برنامج إصلاحي شامل أطلق عليه: " 100 يوم للإصلاحات" ما بين يونيو شتنبر من نفس السنة. - تؤكد كل إجراءاته على التشبع بالانفتاح على الأجانب والإعجاب بتجربة الميجي، إذ تم إصدار عشرات القرارات التي همت الإصلاحات السياسية والاجتماعية: تبني الملكية الدستورية وتحديث الجيش وتحديث مباراة الولوج إلى الجهاز الإداري مع تبني نظام تربوي مبني على الحداثة بدل الكونوفوشوسية فضلا عن اعتماد مبادئ الرأسمالية وانتهاج سياسة تصنيعية تعتمد على التكنولوجية الأجنبية بشكل كلي.

  لقيت هذه الإجراءات معارضة قوية من طرف المحافظين والقادة العسكريين الذين تخوفوا من فقدان مناصبهم ومكانتهم الاعتبارية في النظام السياسي القائم، معتبرين أنها متسرعة.

   هكذا عملت الإمبراطورة سيسي بتحالف مع الأرستقراطيين المنشوريين المحافظين والقادة العسكريين في شتنبر من تلك السنة، على تنحية الإمبراطور كوانغ شو وطرد وزيره الأول بمعية زملائه المصلحين من السلطة، بعدما تمت تصفية ستة من مستشاريه المقربين، فضلا عن توقيف العمل بكل القرارات الصادرة عنه لتغدو بعد ذلك الامبراطورة سيسي مجددا متحكمة في كل الشؤون حتى وفاتها يوم 15 نونبر 1908م يوما واحدا بعد الوفاة المفاجئة للإمبراطور كوانغ شو، وهو الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة التي ما زالت دون إجابة مقنعة ومنطقية.

     يبدو أن فشل هذا البرنامج يرجع إلى الضعف القوي على مستوى امتداداته المجتمعية وانعدام التواصل مع الشعب ومحدودية اختصاصات الوزير الأول. هذا إضافة إلى المعارضة الشرسة من طرف المحافظين في القصر الإمبراطوري والإمبراطورة سيسي وكبار قادة الجيش والأطر الإدارية العليا.

حركة البوكسر

     على مستوى الدينامية الاجتماعية والسياسية الداخلية، فقد نشطت حركة البوكسر والتي لقيت في البداية دعما من طرف الإمبراطورة سيسي سنة 1900م باعتبارها مناوئة للأجانب ومتحالفة داخليا مع السلالة المنشورية ومدافعة عنها.

   كانت الأسئلة التي حاولت هذه الحركة الإجابة عنها تتمحور حول سبل الحفاظ على وحدة البلاد وتحريرها من الهيمنة الغربية وتجاوز الاتفاقيات اللامتكافئة. غير أن تحالف القوى الأجنبية عسكريا وسياسيا ضد الصين للدفاع عن رعاياها والمتحالفين معها في البلاد، دفع الإمبراطورة للتحالف مع الأجانب للقضاء على حركة البوكسر التي حملت لها مسؤولية استهداف الرعايا الأوربيين والأمريكيين والصينيين المتعاونين معهم.

    ومن ثمة، وقعت على معاهدة السلام سنة 1901م ، نصت على عقوبات مالية وعسكرية وفتح المزيد من الموانئ والمجاري المائية للملاحة.

    أكد القضاء على هذه الحركة للنظام الإمبراطوري ضرورة تسريع وتيرة الإصلاحات خصوصا على مستوى الجيش والإدارة، ما ساهم في تبنى حزمة من الإصلاحات: إلغاء المباراة الإمبراطورية سنة 1905م وإصلاح الجيش.

فشل المحاولات الإمبراطورية للإصلاح

   وساهمت الاستثمارات الأجنبية في تغيير المجتمع والاقتصاد الصيني، فقد انتقل طول السكك الحديدية من 881 كلم الى مسافة اطول. وتقلص حجم الإنتاج الحرفي منذ مطلع القرن 20م، كما تراجع حجم الإنتاج المعدني التقليدي لصالح الشركات المعدنية الكبرى. وبذلك تمت خلخلة العلاقات الإنتاجية القديمة وتقوى الاقتصاد النقدي، خصوصا في المدن التي ظهرت بها قوى اجتماعية جديدة: العمال الصناعيون والبورجوازية المثقفون المتشبعون بالأفكار الحديثة.

   كانت لهذه القوى الجديدة طموحات تحد منها التراتبية الاجتماعية القديمة، غير أن نفوذها كان قويا بالأساس في المدن والموانئ الكبرى المنفتحة على الأجانب. لهذا بقي الفلاحون أهم طبقة اجتماعية بالبلاد، لكنهم تضرروا من تركيز الملكية العقارية في أياد محدودة واستمرارهم في تقديم الضرائب والخدمات الإقطاعية للملاكين العقاريين.

    في هذا السياق العام، ظهر مصلحون خلال أواخر القرن 19م ومطلع القرن 20م واعون بضرورة تحديث البلاد في إطار التعامل اللين مع القوى الأجنبية الكبرى والحفاظ على مصالحها في الصين ، ويندرج ضمن هذا التوجه حركة "الاتحاد من أجل النهضة الصينية" التي صاغت للشعب 3 مبادئ أساسية ؛ الاستقلال و السيادة و الرفاهية، وهي مبادئ تختزل وتدقق المشروع الإصلاحي المبني على ضرورة القضاء على حكم المنشوريين وإنشاء نظام جمهوري وتقوية التعاون مع اليابانيين وتوسيع ملكية الأراضي.

انهيار النظام الامبراطوري

    قاد القوميون دعاة الحداثة و المتشبعين بالفكر الغربي الإصلاحي  عدة محاولات انقلابية فاشلة، قبل نجاح انقلاب أكتوبر 1011 ، مستفيدين من دعم أعيان القرى والأرستقراطيين، غير أن الزعيم الروحي للكومينتانغ  "سان يات سين" تنحى من منصب رئيس الجمهورية في السنة الموالية 1912م، بعدما اشتدت شوكة أحد القادة العسكريين الطموحين الذي كانت له ارتباطات اجتماعية قوية مع القوى المحافظة والعسكرية، كما لقي دعما من الدول الغربية على حساب القوى الإصلاحية بالرغم من إعجابها بالغرب وحداثته. فبقي بالتالي الدفاع عن النظام الاجتماعي القديم والدود عن مصالح المنشوريين والقادة العسكريين والمريدين الكنفوشوسيين هي الاعتبارات المتحكمة في دواليب الجمهورية التي أسست لنظام سلطوي محافظ. حاولت حركة 4 ماي 1919 كحركة شبابية منفتحة على الأفكار الشيوعية مواجهة هذا النظام، بنقدها لعلاقته الواسعة مع القوى الأجنبية واعتماده للتعاليم الكونفوشيوسية والتقاليد العتيقة.      وقد كان تأسيسها في سياق انعقاد مؤتمر السلام الذي أعقب الحرب العالمية الأولى، فعبرت عن رفض مقرراته بشأن تفويت شاندونغ لليابان، عبر سلسلة من المظاهرات والإضرابات أسفرت عن امتناع الحكومة التوقيع على المعاهدة. وسمحت هذه الحركة ببروز زعماء اشتراكيين مثل شين دو شيو وغيره، وكذلك الانفتاح على الشيوعية العالمية، كما شكلت النواة الأولى للحزب الشيوعي الصيني الذي تأسس سنة 1921م.

خاتمة

     هذا الانقسام الذي حدث بين القوى الإصلاحية الصينية بعد بعد سقوط امبراطورية تشينغ الصينية بين قوى تؤيد الفلسفة الشيوعية الاشتراكية وأخرى تدعو لضرورة تبني الإصلاح الليبيرالي الرأسمالي بالإضافة لتنامي نفوذ القادة العسكريين المحليين و استقلالهم بمناطق حكمهم سواءا كانوا من الكونفيوتشيين او من المسلمين ، و تقلص مساحة الدولة الصينية حينذاك بعد استقلال مستعمرات تشينغ اثر سقوط الإمبراطورية المنشورية ؛ و بالتالي دخول الصين لحرب أهلية مدمرة استمرت مدة زمنية طويلة بين القادة العسكريين و حكام المقاطعات الصينية تعرف ب"عصر أمراء الحرب" ، لن ينتهي هذا التمزق السياسي الا بصعود القوى الشيوعية تحت قيادة ماو تسي تونغ.

تعليقات