القائمة الرئيسية

الصفحات


  

حضارة أفريقيا جنوب الصحراء

 

   سعت البشرية منذ القدم للاتصال فيما بينها تجاريا وسياسيا وبشريا (الحروب، الهجرة، والتجارة) رغم ذلك كانت هناك مجموعة من العقبات والحواجز الطبيعية والبشرية التي حالت دون ذلك (الصحاري، المحيطات، الحرارة الشديدة،..)، اذ ساد اعتقاد بين قدامى المؤرخين و الجغرافيين سواءا كانوا من  الغربيين (الرومان و الاغريق ) أو من الشرقيين العرب المسلمين ؛و من أبرزهم نجد الرحالة الاخباري و الجغرافي الاغريقي هيرودوتس الذي يشير لكون هذه المناطق الجغرافية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية  شديدة الحر و غير صالحة للسكن.
     ما جعل القارة الافريقية و حضاراتها جنوب الصحراء الكبرى بؤرة ثقافية تتميز بانفرادها بخصوصية مستقلة تتجلى في استقلال مقوماتها و بنياتها ثقافيا و فنيا و حضاريا وتقنيا  و اجتماعيا تتمظهر بدورها هي الأخرى في عادات و تقاليد و اعراف الشعوب الافريقية القديمة ما قبل الاستعمار الأوروبي خصوصا حضارات قبائل و شعوب الزنج الجنوبية المنعزلة و التي لم تعرف عنها باقي الحضارات و الشعوب الأخرى خارج القارة او شمالها و شرقها سوى ان بلادهم -الواقعة اقصى جنوب الصحراء الكبرى- تمثل مورد مهم للرقيق الأسود و العاج و الفيلة و مناجم المعادن الغنية -خاصة معدن الذهب- و غيرها من الثروات و الموارد الطبيعية و البشرية التي تزخر بها هذه المناطق التي كانت اغلبها مناطق مجهولة،  فأفريقيا جنوب الصحراء شهدت ما قبل الاستعمار الامبريالي الغربي نهضة في شتى المجالات ؛لعل أهمها وأبرزها إنجازات الإنسان الأفريقي الأسود القديم في ميادين العمارة والتقنيات والمعتقدات والفنون والارث التراثي والثقافي ،فضلا عن الأساطير والأدب الملحمي الشفوي الأفريقي و الثرات اللامادي الغني للمنطقة. كل هذا جعل من القارة الافريقية جنوب الصحراء بؤرة ثقافية ذات خصوصية مستقلة مر تكوينها الى الشكل النهائي الحالي عدة مراحل متراكبة و مترابطة في ظل انغلاق شبه تام؛ وهو ما ينفي ويدحض تلك الأساطير الأوروبية الغربية ذات النزعة الامبريالية الاستعمارية بمباركة مسيحية كنسية تنفي صفة الإنسانية عن الشعوب القبلية الافريقية البدائية وتربط جنسهم (الزنج) بالحيوانات وأنهم رفقة باقي الشعوب البدائية في كل من العالم الجديد (الأمريكيتين) والمحيط الهادي يشكلون الحلقة المفقودة من السلسلة التطورية الداروينية الرابطة بين الانسان و الحيوان -حسب زعم و ادعاء دعاة و أنصار هذه النظرية الداروينية، فضلا عن ذلك فإرث وفنون و تراث حضارات أفريقيا جنوب الصحراء ذات الخصوصية التاريخية المستقلة يدحض النظرية الانتشارية القائلة بكون  مصر الفرعونية القديمة مصدر الحضارة والثقافة وأن منها انتشرت نحو باقي بقاع و حضارات العالم القديم مستدلين بذلك على بعض التشابهات الحضارية والثقافية والاعتقادية بين مصر الفرعونية و باقي حضارات العالم القديم الأخرى ،غير أن فنون حضارة امبراطورية بنين الأفريقية القديمة المعاصرة لحضارة الفراعنة بمصر و القريبة منها جغرافيا لا يكاد الباحث الأثري والأنثروبولوجي يلمس أي تطابق حضاري بينهما يؤكد صحة نظرية التيار الانتشاري القائل باقتباس شعوب التاريخ القديم للحضارة من مصر الفرعونية. فممالك وامبراطوريات وقبائل وشعوب القارة الافريقية الأرواحية المتواجدة حينذاك جنوب ضفاف نهر النيجر مثل الزولو والفولان وغيرها..
    غير ان اول احتكاك لسكان القارة كان في جزئها الشرقي مع جيرانهم المصريين الفراعنة في إطار التبادلات التجارية بين مصر القديمة وبلاد البونت، والاحتكاك الثاني كان مع هجرات شعوب وقبائل الحاميين الليبيين من الشمال الأفريقي نحو منطقة الساحل خاصة وتمكنت بعض هذه القبائل من تكوين ممالك وامبراطوريات حكمت الساحل الأفريقي لفترات طويلة. وكما كان لأفارقة الساحل اتصال وثيق تارة بالمصاهرة والصداقة تارة أو التحالف والحروب تارة أخرى ومن أبرز إثنيات الشمال الأفريقي نجد على سبيل المثال عرقية التوارك (الطوارق) بدو الصحراء الكبرى وكونفدرالية قبائل ازناكن الرحل في غرب الصحراء الكبرى، فضلا عن بعض الأسر والقبائل الليبية القديمة التي نزحت من موطمها في الساحل البربري الى الساحل الأفريقي وتمكنت بعضها من حكم المنطقة بعد استقرارها بها (اسرة زا في مالي الحالية نموذجا).
    غير ان الاحتكاك الوثيق لن يبدأ الا بعد دخول الإسلام لأفريقيا الشمالية في إطار حركة الفتح الإسلامي ثم ينتشر بعد ذلك في ممالك وامبراطوريات الساحل الأفريقي عن طريق التجار المغاريين او الاندلسيين والدعاة المالكية الاندلسيين.
     أما الاحتكاك الثالث سيكون بعد وصول حملات عسكرية أوروبية ذات صبغة صليبية توسعية تبشيرية الى المنطقة قصد استعمارها ونشر المسيحية الكاثوليكية بين الأفارقة بعدما تمكن البرتغاليون الكاثوليك من اكتشاف مصب نهر السنغال. اذ ان هذه المنطقة لم تكن معروفة لدى عامة المؤرخين و الجغرافيين سواءا كانوا من المسلمين العرب او الأوروبيين المسيحيين الذين جاؤوا بعدهم خلال القرون الخمسة التالية.
    
            

تعليقات