القائمة الرئيسية

الصفحات


 

 

تأسيس مملكة صونغاي

 

نسب ملوك سنغاي وشعبها

    تختلف الروايات الإخبارية في أصل مؤسسي دولة سنغي بين من جعله بربريا صنهاجيا قادما من الشمال، ومن جعله أفريقيا محليا.

     ابان القرن السابع الميلادي استقرت في كوكيا قبيلة اختلف في نسبها، هل من قبائل الليبو القديمة؟ أم من العرب اليمانية؟ غير أن المجمع عليه أنها من أصل ليبي حامي استوطنت مجالات شعب سننغي وتمكنت من فرض السيطرة عليه واحتلال المنطقة، وساهمت قبائل السونغاي في توسيع المجال الحيوي لهذه المملكة الجديدة واخضاع أغلب غرب "أفريقيا جنوب الصحراء" (السودان الغربي). وتعد المصادر الجغرافية الإسلامية أقدم من قدم إشارات عن وجود مملكة سونغاي، غير أن هذه الروايات الإخبارية لم تركز على تاريخ شعب سنغاي وأصله بالقدر الذي ركز مؤلفوها على وصف عاصمة مملكة سنغاي وتفاصيل دخول الإسلام لها.

     والراجح أن شعب امبراطورية السونغاي ينتسب للإثنيات المحلية المقيمة على ضفاف نهر النيجر في حوضه الأوسط قبل القرن التاسع الميلادي، ثم ستنزح بعد ذلك قبيلة "زا" من الساحل الشرقي الليبي الى الساحل الأفريقي وتمكنت هذه الأسرة من فرض سيطرتها على غرب أفريقيا عند ضفاف نهر النيجر في الحوض الأوسط وتأسيس أول سلالة حاكمة لدولة سونغاي الفتية بعدما تمكنت هذه القبيلة الليبية الشمالية من ربط علاقة صداقة ومصاهرة مع الساكنة المحلية، فيما يصر مؤرخو السودان الغربي على نسب ملوك صونغاي لأصل يمني عربي و يوردون لذلك قصة أسطورية لهجرة سلالة "ضيا" أو "زا" الى المنطقة و قتل جد هذه الأسرة اليمنية للشيطان السمكة الذي كان أهل صنغاي يقدسونه و يعبدونه، وبعد قتل الجد اليمني للسمكة توجه السكان ملكا عليهم و سموه زا على اسم الشيطان الذي قتله. هذه الملحمة الخيالية جعلت بعض الباحثين الغربيين الراهنين يرجحون احتمال وصول ذلك الشخص من بيئة متحضرة ما جعله محط اعجاب وانبهار من قبل الأهالي الذين قاموا بتنصيبه ملكا عليهم.

   ويستنتج الفرنسي دولافوس أن شعب صنغاي مزيج من السكان الأصليين لسنغاي والمهاجرين من قبيلة لمطة الليبية من الصحراء الليبية (صحراء إقليم طرابلس)، هذه المنطقة التي كانت مرتعا لإثنية التبو/القرعان الذين ظن خطأً إخباريو تلك المرحلة بانتمائهم لقبيلة لمطة البربرية وقد تبين للباحثين المعاصريين عدم صحة ذلك.

    فيما تدعي الروايات الشفوية لشعب صونغاي على انتسابهم لمؤسس دولتهم المدعو "فاران ماكان بوكي" والذي ينتمي من جهة أبيه لعرق سركو الصيادين وأما أمه فإنها احدى جنيات نهر النيجر، رغم ذلك على يزال الباحثون الغربيون يصرون على نسب قبائل صنغاي لخيط مكون من السكان المحليين من الفلاحيين والمهاجرين من قبيلتي لمطة وهوارة الليبيتين.

تأسيس الدولة وتوسعها

    بعد قيام مملكة صونغاي تحولت بجهود ملوكها من دويلة صغيرة تحكم مدينة كاغو المطلة على نهر النيجر ويشير الاخباري عبد الرحمن السعدي لكون ملوك سنغاي 14 ملكا ماتوا في الجاهلية وأن الملك زا اليمني الجد الأكبر لسلالة ضيا كان اول ملوكها ثم ذكر بعد ذلك الملوك اللاحقين الى ان انتهت السلسلة بالأسكيا الأخير الحاج محمد، وامتد مجال نفوذ أباطرة سنغاي من ضفاف نهر النيجر جنوبا الى أرض داهومي جنوبا قرب بلدة داندي ومن فولتا العليا الى الشمال النيجيري الحالي، ويعتبر المدعو بديا أكسيي أول من اسلم من ملوك صونغاي أوائل القرن التاسع الميلادي.

   وقد انقسم شعب مملكة سونغاي بين صيادين (سركو) مرتحلين على ضفاف نهر النيجر وفلاحين مستقرين بقرى يمارسون الأنشطة الزراعية، وكنتيجة لاحتقار الصيادين للفلاحين، فهؤلاء سيتعرضون لغارات السركو الصيادين فيقتلونهم وينهبون ممتلكاتهم ويتلفون محاصيلهم ثم ينسحبون بعد ذلك؛ لأن الفلاحة بالنسبة لصيادي سركو تعتبر عملا مهينا ودلالة على الذل والهوان. 

   وقصد وضع حد لهجمات الصيادين الهمجية ستتحد قرى الفلاحين من أهل سونغاي تحت إمرة ملك واحد عام 300م.

عصر سلالة زا

     حكم ملوك صنغي الأوائل من سلالة زا الليبية القديمة في المرحلة الممتدة بين القرنيين السابع والرابع عشر الميلادي، وكانت مدينة كوكيا الواقعة في الحوض الأوسط لنهر النيجر عاصمة للإمبراطورية وهي تقع بين تيلا بيري وغاو، ثم بعد القرن التاسع للميلاد ستصبح هذه الأخيرة عاصمة للدولة بدلا عن مدينة كوكيا.

    اعتمد اقتصاد مملكة صونغاي في عصر ملوك أسرة ضيا يعتمد بشكل أساسي على الأنشطة الفلاحية و الصيد النهري، ثم ستنتعش المبادلات التجارية مع الشمال لاحقا بعدما كانت شبه منعدمة، حيث ستتعزز العلاقة التجارية مع دول الجوار شمالا (الدويلة الرستمية بتاهرت، مصر، افريقية، سجلماسة المدرارية،..).

انتشار الإسلام في صنغاي

      الاحتكاك التجاري مع المغرب الإسلامي وانتعاش تجارة القوافل الصحراوية ساهم في دخول العلماء والتجار من مسلمي الاندلس والشمال الأفريقي الى مدن صنغاي للتعاملات التجارية والأنشطة الدعوية، ثم هجرة الفقهاء الملكية الأندلسيين الى المنطقة بدءا من القرن التاسع الميلادي.

    ورغم اعتناق ملك صونغاي ديا أكُسي والارستوقراطية الحاكمة والسلالة الملكية أوائل القرن التاسع الميلادي في جاو للإسلام وتبني ثقافة المسلمين ولباسهم، بقيت أغلب طبقات المجتمع الصنغاوي على ديانتها الوثنية الأرواحية، وهكذا تحولت السنغاي من مملكة وثنية الى امبراطورية اسلامية.

   ساهم الإسلام بسنغاي في اختفاء جزئي للثقافات المحلية المخالفة للإسلام والتراث اللامادي للمنطقة المتمثل في اندثار عبادة الآلهة القبلية والممارسات الدينية الجاهلية والمعتقدات الأرواحية البدائية والعادات والتقاليد المرتبطة بطقوس الشعوذة والسحر الأسود الأفريقي والتي اختلط أغلبها بشرائع الإسلام ومعتقداته في أذهان شعب الصنغاي وعاداته وثقافته.

تدهور امبراطورية صنغاي

   رغم خضوع كامل ممتلكات امبراطورية صونغاي لاحقا لحكم ملوك امبراطورية مالي الاسلامية المجاورة -التي ظهرت حينذاك فجأة كقوة محلية إقليمية تمكنت من فرض سيطرتها على كامل غرب أفريقيا -ستظل العاصمة الصنغاوية مدينة غاو/كاغو خارج نطاق سيطرة مملكة مالي ابان عهد ملك مالي القوي منسي علي الذي سيأخذ أبناء حاكم صنغاي كرهائن لخدمته قصد ضمان ولاء ملك سونغاي له.   

   

 

تعليقات