القائمة الرئيسية

الصفحات


 

 

الدولة الأسقية

 

التأسيس

    شهدت امبراطورية صونغاي في عهد ملوك أسرة الدولة الأسكية أزهى عصورها لما وصلته الدولة خلال عصر آل أسكيا من ازدهار اقتصادي وتجاري وعلمي، خاصة زمن حكم مؤسس السلالة الأسقية وأول ملوكها الحاج محمد أسكيا الذي استولى على منصب الملكية بدعم من العلماء بعدما تمكن من خلع خليفة علي بير، واعتبر كل من العامة والعلماء الأسكيا محمد منقذا ومخلصا لهم من بطش وجور الملك السابق.

التنظيم الإداري

     بعد استقرار دولة الحاج محمد أسكيا قام بتشكيل هيئة لأهل الحل والعقد مكونة من العلماء والفقهاء وأشركهم في تسيير الدولة ومراقبة حكومة البلاد، وجعل قوانين الإمبراطورية قائمة على أحكام الشرع، واهتم بالشؤون القضائية والعسكرية والتنظيمية والجهوية والقبلية والإدارية لدولته الفتية، واهتم غاية الاهتمام بالمنظومة الجبائية، وعمل على إنهاء أعمال اللصوصية وقطع الطرق وتقوية الجهاز الأمني للمنطقة الخاضعة لنفوذه قصد تأمين مرور القوافل الصحراوية المحملة بالبضائع وهو ما انعكس إيجابا على مداخيل التجارة، وكذلك لتأمين أرواح الأهالي المحلين وعابري السبيل المسافرين وأموالهم وأعراضهم.

   وأسند مهمة مراقبة القائل الموالية للإمبراطورية لمنصب "كوري فارما"، وكما عزز علاقات المملكة مع شعوب البيضان الشمالية، ونظم الإدارة المركزية وقسمها لوزارات لكل منها وظيفة معينة في إطار هرم سلطوي على قمته الملك.

التقسيم الجهوي لولايات الدولة

    قام الملك الجديد الحاج محمد بن أبي بكر أسكيا بتقسيم ممتلكات امبراطورية صونغاي لأربع مناطق جهوية لكل منها حاكم من خاصة الحاج محمد أو من أتباعه، وغالبا ما يتم تعيين هؤلاء الحكام الجهويين من من الأسرة الملكية الأسقية من أبناء الملك؛ وهؤلاء الولاة المحليون يتبعون للملك أسكيا بشكل مباشر.

    تنقسم ولايات امبراطورية صنغاي حينذاك في عهد ملوك آل أسكيا الى 4 ولايات كما أسلفنا وهي كالتالي: 

الولاية الأولى(الجنوب): تضم مناطق المملكة المحصورة بين داندي وهوسا.

الولاية الثانية(الوسط): تتكون من مدينتي غاو وتمبكتو.

الولاية الثالثة(الشمال): من غاو الى أرض توارك(كونفدرالية الطوارق القبلية).

الولاية الرابعة(الغرب): وهي أغلب المناطق الواقعة في السودان الغربي غرب نهر النيجر وعلى ضفاف نهر السنغال.

الشرعية الدينية:

     بعد تنظيم الأسكيا الأول لشؤون إمبراطوريته الفتية وتقسيمها، اتخذ قراراه بالسفر الى الحجاز برسم الحج في ركب عظيم يحرسه 700 مقاتل من خيرة جنود المملكة، مرورا ببلاد مصر حيث إلتقى بالعلامة الأزهري الشهير السيوطي وبحاكم مكة الهاشمي الذي لقبه بخليفة السودان في عهد الخليفة المتوكل آخر خلفاء الفرع العباسي بمصر، وأنفق خلال رحلته هذه كميات كبيرة من الذهب في المناطق التي مرت منها قوافله حتى انخفض سعر الذهب فيها من كثرة جوده وإنفاقه.

     هكذا سيعود الأسكيا الأول الحاج محمد بن أبي بكر حاملا معه الشرعية الدينية اللازمة لمنع تمرد معارضي حكمه بعدما كان قد اغتصب العرش بالقوة.

الحملات العسكرية وتوسع الإمبراطورية

     إثر عودة الملك الحاج محمد أسكيا من الحج بدأ في إطار السياسة التوسعية لحكومته الجديدة بتحضير حملات كبرى بإسم الحرب المقدسة (الجهاد في سبيل الله) ونشر الإسلام وتوجيهها لإخضاع ومهاجمة ممالك وامبراطوريات الجنوب الوثنية، حيث فتح أرض الهوسا واستولى على بعض المواقع في بلاد مالي المجاورة وشن حروبا مدمرة ضد قبائل الموسي الأرواحيين الوثنية. وبذلك امتدت مملكة السنغاي من الهوسا والموسي جنوبا الى صحراء التوارك شمالا، ما جعل دولة صونغاي الإسلامية تتحول في عهد الحاج محمد أسكيا من مجرد مملكة صغيرة تحكم مدينة كاغو/جاو (غاو) العاصمة وملحقاتها الى احدى أعظم امبراطوريات السودان الغربي المحلية التي شهدتها أفريقيا جنوب الصحراء عموما وغرب أفريقيا (السودان الغربي) خصوصا قبل الاستعمار الأوروبي الغاشم، بل والأقوى في تاريخ المنطقة ديموغرافيا وتجاريا وحضاريا وسياسيا وعسكريا بفضل مجهودات الأسكيا الأول الحاج محمد بن أبي بكر التي ستضيع سدى بعد وفاته.

الإزدهار العلمي والحضاري

   تحولت مدن تنبكتو وغاو تغازى وجني وغاو وغيرها من حواضر امبراطورية سنغاي في عهد ملوك الأسكيا الى مراكز علمية مزدهرة و حواضر إسلامية عريقة تأسست بها احدى أشهر الجامعات العلمية في العالم الإسلامي والتي تضاهي وتنافس تلك التي زخرت بها مدن القاهرة، دمشق، فاس، القيروان، قرطبة، بخارى،.. وأخذ العلماء المسلمون نتيجة لذلك يتوافدون على بلاط آل أسكيا ملوك سنغاي من خارج "أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى" للاستقرار بهذه المنطقة في ظل حكم امبراطورية صونغاي.

مرحلة الضعف والتدهور

   ضياع إصلاحات وانجازات منشئ السلالة الأسقية الملك الأول الحاج محمد راجع لإقتتال حكام ولايات الإمبراطورية من أبنائه أواخر عصر الحاج محمد أسكيا أسكيا على خلافته في العرش وهو لا يزال على قيد الحياة ما تسبب في إضعاف المملكة والتمهيد لتفكيكها وتجزئتها لاحقا وانكماش رقعة سيطرة ملوكها فاتحا المجال أمام عدو خارجي متربص يبحث عن أي فرصة للانقضاض على دولة سنغاي التي أنهكتها الحروب والفتن الداخلية؛ ألا وهو السلطنة السعدية بالمغرب الأقصى التي سعى ثالث سلاطينها لضم مناجم الذهب والملح في تغازي التابعة لدولة صونغاي و انتهى مشروعه بالفشل و تمكنت قوات سنغاي من التصدي للعدوان، وبالرغم من ذلك سيتمكن السعديون لاحقا في عهد السلطان أحمد الذهبي من الانتصار على قوات ملك صونغاي الأسكيا اسحاق رديئة التسلح بصعوبة بالغة في وقعة تنديبي رغم امتلاك جيشهم للمدافع والبنادق النارية، وكما لن يتمكن باشوات الجيش السعدي من الاستيلاء على كامل المنطقة رغم تقنيات التسلح المتطورة لديهم و سينتج عن الاحتلال السعدي تفكك ممتلكات الصونغاي و استقلال المناطق التابعة لحكم الإمبراطورية و تكوين دويلات محلية مستقلة كما كان عليه الوضع قبل توسعات ملوك آل منسي حكام امبراطورية مالي وفتوحات الأسكيا الحاج محمد، ورغم هذا التدهور الذي شهدته دولة سنغاي -التي عادت الى سابق عهدها كمملكة صغيرة تحكم فقط العاصمة وملحقاتها بعدما كانت امبراطورية عظمى تحكم كامل المنطقة- ستستمر هذه السلالة في حكم المملكة لقرنيين إضافيين إلى أن تقضي على هذه الدولة بعض القوى الأفريقية المحلية الضعيفة وينتهي وجودها السياسي على الخريطة قبل دخول المستعمر الأوروبي للمنطقة.

 

 

 

 

 

تعليقات